يقول تعالى
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي
بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
العَلِيمُ
] {آل عمران:35}
سيدتنا
التي نتحدث عنها هي سيدة مؤمنة طائعة خاشعة اتخذت من الدعاء باباً لها من
أبواب الفرج الكثيرة التي شرعها الله للمسلم من عبادات وطاعات.
إنها السيدة «حنة بنت فاقود بن قابيل» أم مريم العذراء عليهما السلام.
ويقول عنها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:«إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» فكان
اصطفاء الله سبحانه وتعالى لهذه الأسرة الكريمة الأب عمران ذلك العالم
الجليل والذي كان يصلي بالناس في زمانه والأم حنة تلك العابدة الطائعة
التي كانت تحب زوجها وتعينه على عبادة الله فرضى الله عنها وأحبها عمران
حباً عظيماً.
ولكن
كان هناك شيء واحد يشغل بال السيدة حنة وتتمناه وهو أن تنجب لعمران ولداً
صالحاً يخلف أباه في إمامة بني إسرائيل فقد كان عمران من نسل سليمان عليه
السلام.وقد ظل الزوج والزوجة مرابطين على الإيمان طائعين لله على الرغم من
فساد كل من حولهما إلا ما رحم ربي.
وفي
يوم من الأيام خرجت السيدة حنة تتأمل في خلق الله بعد أن أنهت طاعتها
الصباحية أو كما نقول نحن «أذكار الصباح»،وخرجت تشم نسيم الهواء وتتأمل في
ملكوت الله وإذ بها أمام طائر صغير فخرجت من أحشائه بيضة صغيرة في انتظار
مولود صغير.. اشتاقت حنة أن يكون لها ابن مثل هذا الطائر.. وتنهدت على
نفسها حسرات وقالت: «يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الفرخ الصغير».
وبكت
حزناً على حالها، ورثت لنفسها، لكنها كشأن كل النفوس المؤمنة لا تجعل
اليأس يتمكن من جوانبها فأزاحت عن نفسها اليأس وتضرعت إلى الخالق العظيم
وناجت ربها وألحت ولم تنصرف إلى بيتها إلا وقد امتلأت نفسها بشرا وسرورا
وبعد أن علمت أن الله لن يخذلها فهذا وعد قد قطعه المولى عز وجل على نفسه
وقال: (ادعوني أستجب لكم) ولم يمر اليوم أو اليومان إلا وشعرت السيدة
المؤمنة حنة بأن الله قد استجاب لها وجاءتها البشارة ففرحت وذهبت لتبشر
زوجها عمران الذي لم يصدق في بداية الأمر.. فقد كان العمر قد تقدم به
وبزوجه لكنه علم أن الله على كل شيء قدير.
فظلا - الزوج والزوجة المؤمنين - يشكران الله على معجزته لهما الأيام الطوال ويدعوان لوليدهما بالخير والبركة.
وتمر الشهور مسرعة ويقترب موعد وضع السيدة حنة وتشعر حنة بمنتهى الامتنان بما فعله ربها لها فتقول: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) آل عمران 35.
لقد
قطعت السيدة حنة على نفسها عهداً أن تهب ابنها للمسجد طوال حياته ليفرغ
لعبادة الله وخدمة بيته..أخبرت حنة زوجها عمران بما نوت فأشرق وجهه بالفرح
واتجه بدعائه إلى السماء وأخذ يشكر الله سبحانه وتعالى على نعمته التي
أنعم بها عليه بعد أن بلغ سن الكبر وصار شيخا.. علم بنو إسرائيل بما وهب
الله عمران وزوجته وفرح جميع المؤمنين واستبشروا منتظرين قدوم الحادث
السعيد..
ومرت
الأيام وقبل أن يحين موعد ولادة حنة مرض عمران مرضاً شديداً، حزن المؤمنون
من بني إسرائيل، وكانوا قلة – حزنوا لمرض عمران ودعوا الله أن يشفيه
سريعاً حتى يعود ليصلي بهم في بيت المقدس ولكن شاءت إرادة الله سبحانه
وتعالى أن يتوفى عمران قبل أن تضع زوجته وليدها.
وجاء
أوان الوضع وكانت المفاجأة لقد جاء المولود أنثى وكانت تتمناه ذكراً لتوفي
بعهدها الذي قطعته لله بأن تضعه في خدمة المسجد والعبادة وأن يحل محل
أبيه..
ورغم ذلك قررت حنة أن توفي بعهدها لله وابتهلت إليه قائلة: (فَلَمَّا
وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ
بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا
مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ).
فيرد عليها ربها جل وعلا ويستجيب دعاءها مره أخرى فيقول سبحانه وتعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) آل عمران 37
ويسدل
الستار على قصة هذه السيدة العظيمة حنة زوج عمران وأم مريم العذراء
البتول.. لنعلم أن الله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء ويكشف الضر وما على
العبد إلا أن يناجي ربه بصدق ورجاء وسوف يرى.
منقول